صوت الامة – عبد الفتاح على: اذا أردت إحداث تغيير حقيقي، فعليك بخطوة غير متوقعة، هكذا عالم السياسية، وعالم الحروب أيضا، هكذا فعل أنور السادات عندما شن حربا مفاجئة على الكيان الصهيوني مغتصب الارض والعرض، فانتصر.
وهكذا فعلت مريم رجوي وأحمد الجربا، الأولى رئيسة جمهورية إيران في الخارج، وقائدة المقاومة السلمية المتحضرة ضد نظام لا يعرف السلمية ولا التحضر في حواره مع المعارضين، والثاني رئيس الائتلاف السوري المعارض لنظام دموي، دكتاتوري، لا يعرف لغة الحوار إلا تحت نصل السيوف.
التقى الإثنان، وهما مدركان أن هذه الخطوة قد تهدد حياتهما، وقد تدفع نظامين لا يجيدان سوى صوت السلاح والاغتيال والإعدامات، للرد العنيف على تجاوز أشد الخطوط الحمراء قتامة، وفتكا.
تعلم رجوي أن ما فعلته خطيئة من وجهة نظر الملالي لا يمكن أن تمر مرور الكرام، لكنها فعلتها غير عابئة سوى بمصلحة شعبها، وفعلها الجربا، باعتبار رجوي نموذجا لنضال ذكي ممسكا بلجام الدبلوماسية، ويجيد ضرب خصومه فوق الحزام بشرف.
35 عاما هي عمر المقاومة الإيرانية في الخارج ترتكز من باريس منطلقا لمحاصرة نظام الملالي في العالم، وفضح جرائمهم، وكشف أعمالهم غير الإنسانية تجاه المواطنين المحاصرين في مدن إيران، بات للجربا أن يستلهم عصارة خبرة تلك السنوات.
كان طبيعيا أن يكون رد الفعل الإيراني الرسمي شديد الغضب، وشديد الإندفاع، وكان طبيعيا أن تتحول الأقلام الممولة من النظامين السوري والإيراني إلى إهالة التراب على اللقاء، وأن تقذف الشخصيتين بكل أنواع الأكاذيب والشتائم، لأنها حرب حياة أو موت.
لكن رد المواطنين السوريين كان متحمسا للقاء، وأعتقد أن المواطنين الإيرانيين كذلك، وإن انعدمت المؤشرات القادمة من الداخل نظرا للحصار المفروض على وسائل الإعلام هناك.
فمثلا وصفت نائب رئيس الائتلاف السوري نورا الأمير اللقاء بأنه خطوة جيدة في إطار التنسيق المشترك، لمواجهة عدو مشترك، يرى أن إبادة خصوم نظام دمشق خطوة استباقية لإبادة خصوم نظام طهران.
وقالت إذا كان القتلة يقفون صفا واحدا، فعلى الاقل علينا نحن الضحايا الوقوف أيضا صفا واحدا أمام آلة القتل المدمرة، وهو بالضبط ما وصفه الجربا عقب اللقاء، عندما قال نحن والشعب الإيراني في معسكر واحد.
بعض المحللين يرون في التقارب بين المعارضتين السورية والإيرانية فرصة للطرفين، الأول يستفيد من خبرات الثانية في التنظيم وإدارة الخلافات والمعارك، وقد يمنحها نقطة انطلاق للعودة مرة أخرى بالقرب من الحدود، بعد الحصار الدولي على معسكر أشرف ومن بعده ليبرتي.
أما الثانية والتي تنتهج الإسلام الوسطي، ممزوجا بالأفكار الإشتراكية واليسارية، فتستطيع أن توجع نظام الملالي بمثل هذا التقارب، وتعيد على سطح الأحداث قضية النضال ضد استبداد الملالي، وتعيد التقارب مع العرب، الذي انقطع بسقوط صدام حسين، واحتلال العراق، بداية من الأمريكي حتى الإيراني حاليا.
لكن كاتبا كبير مثل عبد الرحمن الراشد، كان له وجهة نظر أخرى في هذه القضية، عندما قال أن الجربا عندما وضع يده في يد المعارضة الإيرانية يبرهن على أنه ليس ضد الشعب الإيراني، وليس ضد الشيعة، بل ضد نظامين شريرين في دمشق وطهران.
وقال الرشد أيضا أن كل أنظمة المنطقة تعاني بدرجة ما من معارضة ضدها، إلا أن إيران التي تستخدم “معارضات” دول المنطقة، في حين أنها في واقع الأمر دولة من زجاج “وإن لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها” فهي الأكثر تهديدا من داخلها، ففي إيران قوى كثيرة تختلف مع النظام وتنشط ضده، وإن كان القليل يظهر عنه في الإعلام. المعارضة الرئيسة “مجاهدي خلق” هي الأقدم والأكثر تنظيما. حركة أفرادها متغلغلون داخل النظام نفسه، ويملكون خزانا بشريا كبيرا من الإيرانيين المهاجرين واللاجئين في الغرب. وهناك معارضة الأقليات من عرب وأذريين وبلوش، وكذلك الأكراد الأقوى والأكثر نشاطا عسكريا في شمال غربي البلاد. وباجتماع الجربا بالسيدة رجوي يكون قد أنهى قطيعة عربية مع المعارضة الإيرانية، ويفتح الباب لبقية المعارضين الإيرانيين للتواصل معه.
الراشد وبقية المحللين كشفوا قوة هذا اللقاء، صحيح أنه تم بناء على طلب المقاومة الإيرانية الممثلة في المجلس الوطني بقيادة مريم رجوي، إلا أن تلبية الجربا للدعوة، كانت خطوة بالفعل مفاجئة وغير متوقعة، وبالتأكيد سنرى آثارها في الأيام القليلة المقبلة.